لم تستطع القوى السياسية بت ملف رئاسة الجمهورية في لبنان نتيجة الإصطفافات القائمة. نفّذت الكتل النيابية اختبار جلسة الرابع عشر من شهر حزيران الماضي، من دون الوصول الى نتيجة بشأن انتخاب الرئيس. واذا كان مؤيدو ترشيح رئيس تيار "المردة" ثابتين على تبنّي الترشيح لغاية الآن، فإن التقاطع النيابي حول اسم الوزير السابق جهاد ازعور ترنّح بعد انسحاب عدد من الكتل ونواب ابرزهم تكتل "لبنان القوي". مما يعني سقوط تجربة ازعور، وصمود ترشيح فرنجية. لكن لا قدرة لمؤيدي رئيس "المردة" على فرض فوزه حالياً من دون اضافة ١٥ نائباً اليهم. صحيح ان عددا من النواب المستقلّين سينتخبون فرنجية عندما تحزّ المحزوزية، لكن ذلك ليس كافياً من دون انضمام كتلة وازنة لتبني ترشيح رئيس "المردة".

لم تتضح خطوة التراجع التي اقدم عليها رئيس التيار "الوطني الحر" النائب جبران باسيل تجاه "حزب الله"، عمّا اذا كانت ستشمل تسهيل عملية انتخاب فرنجية، ام انها ستنحصر فقط بالتفاوض حول اسمه ضمن مجموعة اسماء.

وبالإنتظار، بدت حظوظ قائد الجيش العماد جوزاف عون تتقدّم وسط اختياره من قبل عددٍ وازن من النواب، في حال بقي الاستعصاء السياسي قائماً:

-لا مشكلة عند ثنائي حركة "امل" و "حزب الله" مع قائد الجيش.

-طرح عواصم اقليمية اسم عون الى جانب فرنجية، واعتبارهما المرشحيْن الجدييْن، يُعطي ارجحية لأحدهما في حسابات الطريق الى بعبدا.

-سيشكّل انتخاب قائد الجيش، في حال حصل، مساحة تلاق بين الخصوم السياسيين، خصوصاً ان حزب "القوات" يدعم طرح عون من الاساس.

لذا، انحصرت المعادلة الجدّية حالياً ما بين فرنجية وعون، لتشكّل الحل لمشكلة الرئاسة في لبنان، ولو بعد حين، وهو ما صارت مقتنعة به عواصم فاعلة، رغم التلويح بأسماء النائب نعمت افرام الذي لم ينجح في تسويق نفسه، والنائب السابق زياد بارود الذي أضرّه تبني باسيل له، رغم ان وزير الداخلية السابق مستقل ولا يستفزّ احداً، وآخرين.

تتحدث المعلومات عن رغبة فرنسا في طرح تشاور خارجي يشكّل مقدمة لتسوية داخلية لبنانية في شهر ايلول المقبل، وسط انقسام الدول المعنية بلبنان بين دعم فرنجية من جهة ودعم وصول قائد الجيش من جهة ثانية. واذا كان الايرانيون حيّدوا انفسهم سابقاً عن الملف اللبناني، وكذلك فعلت المملكة العربية السعودية ايضاً، فإن المساعي الفرنسية ستصبّ في مسار عقد تفاهم اقليمي، تحديداً بين الرياض وطهران، بشأن دعم انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، فهل تضغط السعودية وايران على القوى اللبنانية لفرض تسوية برعاية فرنسية؟ يبدو التوجه الباريسي يسير في هذا الاتجاه، خصوصا ان باريس التي باتت مكلّفة دولياً بحل الازمة اللبنانية، تحتاج الى ضبط الاستقرار اللبناني و بالتالي الامن في جنوب لبنان، حيث تبدأ شركة "توتال" بالتنقيب عن الغاز، عدا عن حاجة الفرنسيين الى ترسيخ نفوذهم في شرق المتوسط انطلاقاً من دورهم اللبناني الاساسي في ضبط الساحة لمنع التفلّت.

كل ذلك يمنع فرنسا من الاستقالة من ادوارها في لبنان وشرق المتوسط، ويؤكد ان المبادرة الفرنسية مستمرة وسط مرونة في الطروحات ومحاولة دوزنة الامور اللبنانية على قاعدة تسويق تسوية لبنانية ترضي اصحاب النفوذ. ولذلك تنحصر التسوية حالياً بين اسمين للرئاسة: فرنجية الذي يلقى دعمًا سياسياً لبنانياً واضحاً، وقائد الجيش الذي يمكن ان تنضمّ الى اعداد مؤيديه كتلاً نيابية جديدة وازنة تُؤمن الثلثين في مجلس النواب لفرض التعديل الذي يحتاجه للوصول الى الرئاسة الأولى.

ومن هنا حتى منتصف شهر ايلول الذي يشكل موعداً لاطلاق صفارة تسوية لبنانية، ستُرصد المؤشرات السياسية: هل تنضم كتل نيابية الى تأييد فرنجية وسط تسوية سياسية يكون التيار "الوطني الحر" في صلبها؟ ام تنضم كتل نيابية الى تأييد وصول قائد الجيش ويكون باسيل خارج تلك المعادلة الجديدة؟.

الجواب سيتّضح خلال الاسابيع المقبلة.